Friday, August 28, 2015

حياك ..


كنتُ في السابعة عشر ربيعاً، عندما كنتً على موعدٍ مع شخصية من طراز آخر، كثيرةٌ هي الأسئلة التي كانت تقتحمني حينها، وها أنا ذا أطرق الباب وكأني أطرقُ عقلاً آخر يحركُ ساكناً يجتاحني منذ زمن !!

(حياك)..هذه المناداة التي ما زالت تسكنني بعمق، فتحتُ الباب ولم اعلم أنى افتح باباً من المعرفة التي لا تنضب، توجهتُ له، ارتسمت على محياهُ ابتسامة حانية لرجلٍ ستيني بهي الطلعة تقوس ظهرهُ وقاراً  يمسك في يديهِ ديوان مهدي الجواهري ويلوّح بيدهِ الأخرى ( حياك ولدي) !

كان هذا أول لقاء جمعني بالأستاذ جواد سرور رحمه الله مربي البراعم الأولى لجيل الصحوة في الستينات مؤسس جمعية التوعية الإسلامية وأول رئيس لها، ولم أعلم أن هذه الزيارة ستكون بداية علاقة متينة امتدت لعشرات السنين ....

 

 
كنتُ أحاورهُ ويحاورني بلغة مليئة بالحب ,كان يركز على كلماتي ويصوبها فيقول لي ( من الأجمل أن تقول كذا بدلاً من كذا) , ويقدم لي مثالاً أدبياً راقياً يستشهد به , كان يشعلُ فيّ حماسة البحث والقراءة , كان يقرأني بقوة فاذا حاولت التملص من عملٍ أوكلهُ اليّ , يخرج عصاتهُ التي يخبأها تحت السجادة ويضربني بها مازحاً ويقول لي ( صرت ابليس اجوف) !

كان مجلس الأستاذ محطة للشباب والكبار الذي تربوا على يديهِ، كان يخصص لكلٍ منا وقتاً فكثيراً ما كنتُ في محضرهِ فيقول لي ,  وقتك ينتهي في التاسعة , وعند التاسعة يطرق أحدهم الباب لينادي الأستاذ كعادته

 (حياك) ويقف ليخبرني ان جلستنا انتهت الان!

( الدرسُ لمن حضر ) كانت عبارتهُ التي يكررها في دروس متن الأجرومية والمنطق للمظفر  ,فهو يبدأ الدرس أكتمل عدد الأخوة أولم يكتمل  , ينطلق بكل حماسة بلغة فصيحة عذبة كانت تشدني بقوة , كان دقيقاً في ترتيب وقته , كنا ننتهي من الدرس فينظر لساعته ويقول لديكم عشر دقائق لشرب الشاي سيتصل  بي أحدهم وبعد عشر دقائق يرن هاتفه ( الثابت) لم تكن الموبايلات موجوده حينها فيشير لنا بيديه نحو الباب لننصرف !!

في سنتي الجامعية الأخيرة في جامعة الإسكندرية كنت قد زرتهُ لأودعه ولم أعلم ان هذه الزيارة الأخيرة أوصلني للباب خلافاُ لعادته وقال لي (روح جيب البكالوريوس وتعال) !!

وعندما أنهيت اختباراتي توجهت لمحل ( أنترنت) لأتصفح منتدى الدراز أقرأ آخر الأخبار واتحدث مع زوجتي على  ( المسنجر) أول خبر وقعت عيني عليه ( الأستاذ الخطيب جواد سرور في ذمة الله ) ! بكيتُ بكاء مريراً وكان صاحب المحل يسألني (فيه ايه يا باشا في حاجه وحشه شفتها كلمني )..

انا الآن في السابعة والثلاثين ولدى بنتان وولد , كلما اشتقتُ لأستاذي عرجتُ بسيارتي نحو بابه وقلتُ لأبنتي ( أبوك وقف هنا وعمره سبعة عشر عاماً ليكتشف عالماً آخر ) رحمك الله رحمة واسعة فقد كنت صديقاً وأباً وأخاً لا يعوض ..

سيد حسين الموسوي 28/8/2015

 

 

 

 

 

 

 

1 comment:

  1. الله يرحمه برحمته الواسعة استاذ جواد

    ReplyDelete

يهمني سماع رأيك و تعليقك -