Friday, August 14, 2015

شكراً ( صادق) !!





كان (صادق) شخصية واعية يكتنزُ في عقلهِ تجارب الحياة , مولعٌ بالقراءة لحدِ السكر , يعيشُ حالة من التجلي الداخلي فيصنع حواراتهُ الداخلية ليملئ عقله بالمعرفة الخصبة , كان شاعراً مرهفاً يحيكُ من الحروف معناً يجعلك تتسمرُ في مكانك لبلاغتهِ وجزالته , وأنت تحاور ( صادق ) فأنت تحاور محمود العقاد في دقته فتهابُه , تداعبهُ فترتسمُ على شفتيهِ ابتسامة ميخائيل شولوخوف , كان صوتهُ سمفونية باخ تأخذك لبعيدٍ تجهله ولقريبٍ تحبُه .

 

أشعل سيجارته وهو يهزُ رأسهُ مبتسماً وكأنه يخبأ خلف ابتسامته طوفانٌ من الكلمات التي اختزلها ونفثها دخاناً ملئ المكان، كنتُ أشرب الشاي وأنا أحملقُ في وجهه وأستأنسُ بكل الألوان التي يتفوهُ بها ليرسم لوحة رائعة في عقلي.

كنتُ أتمنى لو كان (صادق) مُدرباً، فهو يمتلك القدرة على التأثير فمن أخترق عقلي لهذا الحد هو قادرٌ على اختراق عقول الكثيرين , عندما يجتمعُ العلم والأدب والحِلم والدين في أحدهم تراهُ يعيش كاريزما حقيقية غير مفتعله ولا مصطنعة !!

(لما لا تفكر ان تكون مدرباً) !! لما أرى (صادق) يضحكُ بهذا الشكل وكأني أبو دلامة يقف في حضرة المنصور فأستأنس بطرفتهِ وخفيفِ ظِله !!

(لماذا تضحك يا صادق) !! كنت أرددها وأنا أضحكُ معه.

اعتدل في جلستهِ، كسر حاجبيهِ وقال: رأيتُ المدربون يتسابقون ويتنافسون لبيع علوم ما هم بكاتبيها ولا منشئيها فمنهم من اجتهد ليضيف ومنهم من بقي على ما تعلم، وأهدر وقت غيره لعلة فيه , فنقل العلوم يحتاج لفطنة وحِنكة ومنهم من ظن نفسهُ ابن منظور أو سيبويه فجعل من اللغة مطية لم يجيد ركوبها فهوى !!

تأملتُ كلام (صادق) وقلت له: وما الضيرُ في نقل العلوم أذا كان المدربُ متقنٌ فطنٌ ورعٌ، أمينٌ فيما يقدم، مخلصٌ فيما ينتقي لينفع الناس!

فقال لي مبتسماً: وان لا يتباهى وان لا تأخذهُ الدنيا بغرورها وان يراعي الله في كل كلمة يقولها لرواده ومجالسيه فكلامه عندهم الحق فتستقر في قلوبهم عن غير ذي علم!

لا أعلمُ أي أحساسٍ بات يخالجني بعد كلام (صادق) فالحاضرون أصحاب فهم ووعي ودراية ولهم حاكمية التأثر من عدمه!! وبعضهم كما قال فعلاً ..الأمانة الأمانة الصدق الصدق !!

رفعتُ رأسي وانا احدقُ في وجه ( صادق) ملياً وهو يعبثُ في بعض أوراقهِ وكأني أنتظر أن يُسهب في قوله , لم يعر نظراتي اهتماماً لكنه كان يتمتم بصوت خافت ( رسالتي وصلت )!!

 

عزيزي المدرب: التدريب أمانة فإن جعلت شهادتك منفذ لقلوب الناس فكن بقدر ما عزِمت، وكن سباقاً للمعرفة ومن روادها فأنت ما تقرأ، عقلك مسؤوليتك وقولك محسوبٌ عليك فان رأى الناس منك ما ينفعهم احبوك، وان أوهمتهم بذلك فجربوك، نفروا منك واجتنبوك !!

 

ان تنفذ لعقول الناس وقلوبهم لتزرع فيها البصيرة والاستنارة مسؤولية كبرى , تحية لكل المدربين الذين يجتهدون بحق ويكابدون في وضع حقائبهم التدريبية باجتهاد بالغ ويحترمون عقول الناس , تحية اكبار واجلال لكل مدرب يسهرُ ليغذي عقله وينمي مداركه , تحية لكل هؤلاء الذين وضعوا الله نصب اعينهم ليتركوا بصمة في عقول الناس لا تنسى , تحية ( لصادق) ......

 

سيد حسين الموسوي 14/8/2015
 

No comments: