Sunday, August 30, 2015

أنتزع قناعك لأراك !!


المُزيفون باتوا ينخرون في عِظامنا , جُهلاء يتبرون من الجهلِ رغم جهالتهم , في زمنِ الأقنعةِ المُبتذلة أصبح الغبيُ ذكياً يروجُ بلهاتهُ فيصدقهُ المُفتنون به !!

المُزيفون يتظاهرون دائماً وينتقدون دائماً ويحارِبون أي خطوةٍ ناجحةٍ لأنهم مُتيقنون أنهم لا يستطيعون فعل ذلك، يتبرمون ويتبجحون بكل صلافةٍ حتى يبعدوا شبح سقوط أقنعتهم التي يتخفون ورائها ..

المُزيفون يرقصون على أوجاعِ الناس وجراحهم ليوهموهم انهم يملكون مفتاح خلاصِهم الأبدي !! وبكلِ ثِقة تراهم يتحدثون عن الحلولِ الناجعةِ والمجربة ويشعرون بالفخر لفعل ذلك !!

المُزيفون في الأرض تراهم في كل مكانٍ يمارسون حماقتهم بكل احترافية ودهاء، تراهُم يبادرون للدخولِ في كل عملٍ يجعلهم يلعبون دورهم الزائف لتغييبِ حقيقتهم.

المُزيفون يعيشون مع ظِلهم معركة كبرى يرتابون من أي عقلٍ حقيقي يحاورهم، يدافعون عن أقنعتهم حتى الموت , يحاولون اسقاطك والاستهانة بك لأنك تمثل الوجه الحقيقي لكل شيء.

يرتدون قبعة مهدي الجواهري ونظارات نجيب محفوظ , يصففون شعرهم كأدونيس ويتكلمون كمحمود درويش، يتقمصون شجاعة معتز في باب الحارة , فيتركون شواربهم طويلة مشذبه !!

انهم يفعلون كل ذلك ليشعروا بالرضا الداخلي فقط !!

عزيزي المُزيف، لماذا لا تسعى لتكون حقيقياً , شفافاً , ألم تشعُر بالإرهاق يحوطُك وأنت تستميتُ لإخفاء ذاتك التي تخاف ! ألم يحِن الوقت لتحويل الورود البلاستيكية لحديقةٍ غناء !!

الأطفال فقط من يتوهمون ان السيف البلاستيكي يقتل، وأنهم بأدوات الطبخ الصغيرة يستطيعون الطبخ، وأن دميتهم الصغيرة تحتاج للحليب , هم فقط من يتوهمون أنهم اذا لبسوا رداء سبايدرمان يستطيعون القفز وانقاذ حياة الناس بكل سهولة , فلماذا تفعل ذلك !!

المُزيفون يلمعون أسمائهم ظناً منهم أن كثيراً من العامة يصدقون ذلك !!

عزيزي المُزيف، انهم يقيموك ويحجموك ويعطونك فرصة أخرى لتعيش ذاتك الحقيقية التي يرغبون في التعايش معها رغم عِلاتها! أما آن الوقت لتتحرر من عبوديتك لذاتك، لتعيش (أنت) دون رتوش !!

أحبك فقط (أنتزع قناعك لأراك !! )

 

سيد حسين الموسوي 30/8/2015

Friday, August 28, 2015

حياك ..


كنتُ في السابعة عشر ربيعاً، عندما كنتً على موعدٍ مع شخصية من طراز آخر، كثيرةٌ هي الأسئلة التي كانت تقتحمني حينها، وها أنا ذا أطرق الباب وكأني أطرقُ عقلاً آخر يحركُ ساكناً يجتاحني منذ زمن !!

(حياك)..هذه المناداة التي ما زالت تسكنني بعمق، فتحتُ الباب ولم اعلم أنى افتح باباً من المعرفة التي لا تنضب، توجهتُ له، ارتسمت على محياهُ ابتسامة حانية لرجلٍ ستيني بهي الطلعة تقوس ظهرهُ وقاراً  يمسك في يديهِ ديوان مهدي الجواهري ويلوّح بيدهِ الأخرى ( حياك ولدي) !

كان هذا أول لقاء جمعني بالأستاذ جواد سرور رحمه الله مربي البراعم الأولى لجيل الصحوة في الستينات مؤسس جمعية التوعية الإسلامية وأول رئيس لها، ولم أعلم أن هذه الزيارة ستكون بداية علاقة متينة امتدت لعشرات السنين ....

 

 
كنتُ أحاورهُ ويحاورني بلغة مليئة بالحب ,كان يركز على كلماتي ويصوبها فيقول لي ( من الأجمل أن تقول كذا بدلاً من كذا) , ويقدم لي مثالاً أدبياً راقياً يستشهد به , كان يشعلُ فيّ حماسة البحث والقراءة , كان يقرأني بقوة فاذا حاولت التملص من عملٍ أوكلهُ اليّ , يخرج عصاتهُ التي يخبأها تحت السجادة ويضربني بها مازحاً ويقول لي ( صرت ابليس اجوف) !

كان مجلس الأستاذ محطة للشباب والكبار الذي تربوا على يديهِ، كان يخصص لكلٍ منا وقتاً فكثيراً ما كنتُ في محضرهِ فيقول لي ,  وقتك ينتهي في التاسعة , وعند التاسعة يطرق أحدهم الباب لينادي الأستاذ كعادته

 (حياك) ويقف ليخبرني ان جلستنا انتهت الان!

( الدرسُ لمن حضر ) كانت عبارتهُ التي يكررها في دروس متن الأجرومية والمنطق للمظفر  ,فهو يبدأ الدرس أكتمل عدد الأخوة أولم يكتمل  , ينطلق بكل حماسة بلغة فصيحة عذبة كانت تشدني بقوة , كان دقيقاً في ترتيب وقته , كنا ننتهي من الدرس فينظر لساعته ويقول لديكم عشر دقائق لشرب الشاي سيتصل  بي أحدهم وبعد عشر دقائق يرن هاتفه ( الثابت) لم تكن الموبايلات موجوده حينها فيشير لنا بيديه نحو الباب لننصرف !!

في سنتي الجامعية الأخيرة في جامعة الإسكندرية كنت قد زرتهُ لأودعه ولم أعلم ان هذه الزيارة الأخيرة أوصلني للباب خلافاُ لعادته وقال لي (روح جيب البكالوريوس وتعال) !!

وعندما أنهيت اختباراتي توجهت لمحل ( أنترنت) لأتصفح منتدى الدراز أقرأ آخر الأخبار واتحدث مع زوجتي على  ( المسنجر) أول خبر وقعت عيني عليه ( الأستاذ الخطيب جواد سرور في ذمة الله ) ! بكيتُ بكاء مريراً وكان صاحب المحل يسألني (فيه ايه يا باشا في حاجه وحشه شفتها كلمني )..

انا الآن في السابعة والثلاثين ولدى بنتان وولد , كلما اشتقتُ لأستاذي عرجتُ بسيارتي نحو بابه وقلتُ لأبنتي ( أبوك وقف هنا وعمره سبعة عشر عاماً ليكتشف عالماً آخر ) رحمك الله رحمة واسعة فقد كنت صديقاً وأباً وأخاً لا يعوض ..

سيد حسين الموسوي 28/8/2015

 

 

 

 

 

 

 

Thursday, August 20, 2015

عندما تعيش عقل أحدهم

 

عندما تعيش عقل أحدهم فأنه يبحرُ بك لتعيش تجربته وتنتشي نشوته وتضحكُ ضحكته وتتسمرُ في مكانك لحِيرته، فأنت تعيشُ الآخر بكلِ أبعادهِ فإذا شعر بالسئمِ استشعرت ذلك وإذا تململ تململت معه، تتنفسُ من رئتيهِ وتبصرُ من بوابة عينيهِ أزقة النجف الأشرف، دير البلح، بيروت، دلهي...

وحدهُ الكتابُ يفعل ذلك! لا أعلمُ لأي حدٍ أشعرُ بالتواصل مع الكاتب فأمتلكُ عند القراءة قلبان ينبضان، وعقلانِ يفكران! لا تسلني من أنا فكل يوم أعيش عقل أحدهم لحدِ الجنون !!

أنت تخترق عقل أحدهم دون استئذان، تفتحُ لعقلك باباً لا يوصد، لتعبر الى ضفته لتختزل تجربته.

أن كنت لا تقرأ فانت حبيس صوتك وصورك وأحاسيسك , تتواصل مع خريطتك الذهنية فلا تضيف إليها إلا هواجسك ورغباتك !! تلازمُ قيمك ومعتقداتك فتقيدُ نفسك !!

أنت تشغلُ ذات الفيلم في عقلك، تحاولُ أن تصنع الدهشة والتأمل والرغبة لتصطدم بنفس المشاهد والمونتاج لأنك تستخدم ذات (المادة) لصنعُ سيناريو آخر !!

البصيرة والاستنارة نافذتان عظيمتان لتعيش أكثر وعياً وأكثر نُضجاً وأكثر حِلماً وأكثر قُدرة وأوسع حيله، أنت لا تستطيع فعل ذلك، إلا عندما تعيش عقل أحدهم !!

 

سيد حسين الموسوي 20/8/2015